مثال مزعج لأوروبا
تصدرت بلجيكا مؤخرًا عناوين الصحف بإعلانها أنها لن تتمكن مؤقتًا من استقبال طالبي اللجوء العزاب من الذكور. وقد أشاد البعض بهذا القرار، الذي أثار المخاوف في جميع أنحاء أوروبا، باعتباره مثالاً يحتذى به. ومع ذلك، من الضروري أن نتراجع خطوة إلى الوراء وندرس بعناية الآثار المترتبة على هذا الإجراء، مع التفكير بشكل نقدي في المبادئ الأساسية للجوء وحقوق الإنسان.
بقلم: مهد حسين
اللجوء: حجر الزاوية في الديمقراطية وحقوق الإنسان
اللجوء حق أساسي مكرس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهو حجر الزاوية للديمقراطية والتعاطف. وهو يجسد التضامن بين الأمم ويشهد على إرادة حماية الفارين من الاضطهاد والعنف. إن إلغاء هذا الحق هو بمثابة مساس بأعمق قيمنا الإنسانية.
سياسة المعايير المزدوجة
يكشف قرار بلجيكا عن مشكلة أوسع نطاقًا يعاني منها نظام اللجوء في أوروبا. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، شهدنا ازدواجية في المعايير. فقد تم التعامل مع طالبي اللجوء الأوكرانيين بشكل مختلف عن نظرائهم من مناطق أخرى من العالم. ويثير هذا التمييز غير العادل تساؤلات حول طبيعة نظام اللجوء نفسه.
هل أصبح الأوكرانيون، الذين يبحثون عن الأمان واللجوء، عن غير قصد، بيادق في لعبة سياسية تتجاوزهم؟ هل معاملتهم التفضيلية وسيلة لبعض الدول لخدمة مصالحها بينما تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان؟ هذا النهج الحزبي هو مثال واضح على فشل النظام السياسي الدولي الذي يترك الأكثر عرضة للأجندات السياسية الأنانية.
التمييز ضد الرجال العزاب
كما أن قرار بلجيكا برفض طالبي اللجوء العازبين من الذكور على وجه التحديد أمر مثير للقلق. وهذا يرقى إلى مستوى التمييز بين الجنسين، في انتهاك مباشر لمبادئ المساواة وعدم التمييز. ينبغي منح اللجوء على أساس التهديد الذي يواجهه الفرد، وليس على أساس الجنس أو الحالة الاجتماعية.
بداية نهاية نظام اللجوء؟
قد تكون بلجيكا مجرد مثال واحد من بين العديد من الأمثلة التي يمكن الاقتداء بها، ولكن هذا يسلط الضوء على اتجاه مثير للقلق. فنظام اللجوء، الذي كان من المفترض أن يكون حصنًا ضد الظلم والاضطهاد، بدأت تظهر عليه علامات الضعف. بدأت أسس هذا النظام، الذي كان من المفترض أن يكون مثالاً يُحتذى به، في الانهيار.
من الضروري تذكير الدول الأوروبية بأنه لا ينبغي التضحية بواجبها تجاه الإنسانية وحقوق الإنسان من أجل المصالح السياسية أو الاقتصادية. وينبغي ألا يكون اللجوء أداة للسيطرة الإمبريالية، بل يجب ألا يكون تعبيراً حقيقياً عن التضامن الإنساني.
قرار بلجيكا باستبعاد بعض طالبي اللجوء هو إشارة إنذار لأوروبا
لقد حان الوقت لإعادة التأكيد على قيمنا الأساسية، وضمان معاملة عادلة لجميع طالبي اللجوء، بغض النظر عن جنسهم، والحفاظ على روح اللجوء. فمستقبل نظام اللجوء لدينا، وبالتالي التزامنا بالكرامة الإنسانية، يعتمد على قدرتنا على الاستجابة لهذه الأزمة المتزايدة برحمة وعدالة.